توب ستوريفن

في زمن الحب والساطور.. عارفة عبد الرسول قصة عشق دامت أربعين عاما

 

  • دائما ما يراودني حلم العمل أمام ميريل ستريب
  • العمل في بقالة والدي ساعدني في التمثيل
  • لست بقاصة وما أجيده هو الحكي
  • البعض لا يفرق بين الزواج والجنس وهو سبب فشل الكثير من الزيجات
حوار.. نسرين نور

في زمن اقترن فيه الحب بجرائم قتل شنيعة في تفاصيلها، هناك قصة حب وزواج دام لأكثر من أربعين عاما، نجد نماذج فنية استطاعت أن تعيش حياة زوجية مستقرة لأكثر من أربعة عقود، ورغم انشغالاتها المتعددة لكن ذلك لم يؤثر على بيت الزوجية التي تعاملت إليه بإجلال وتقدير، وتعتبره سببا أول في نجاحاتها الفنية.

في بيتها في مدينة الإسكندرية، استقبلتنا الفنانة القديرة عارفة عبد الرسول، ومنذ اللحظة الأولى بدت بسيطة تماما كطلتها على الشاشة، حكاءة، كلماتها تمس القلوب، تشعرك أنك أمام امرأة متمرسة في الحياة، مرت على تجارب عديدة اثقلتها بخبرات كثيرة، وأن ما تقدمه على الشاشة الصغيرة ليس إلا نتاج ممارسات حياتية مرت بها.

فتحت لنا الست عارفة عبد الرسول قلبها وتحدثت عن الكثير من الأسرار تتميز ببساطة وتلقائية، تحدثت عن سر الصنعة في التمثيل وسر السعادة في الحب والزواج، وعن أحلامها الفنية وكيف استفادت من طفولتها في عالم الفن.. وإلى نص الحوار:

في البداية.. ما سر “اللوك” الجديد؟

_ لا يوجد سر، فقط أردت أن أريح شعري من الصبغة، وفي كل الأحوال حين أقف أمام الكاميرا سأرتدي غطاء للرأس أو باروكة – عندما أقدم دور الأم على سبيل المثال- سأرتدي غطاء للرأس أو باروكة، أنا أرتاح أكثر هكذا بشعري الأبيض خصوصا وأني أحب البساطة جدا وأرتاح حين أكون على طبيعتي.

_ في الأساس أنتِ “بنت مسرح” وعملتِ به سنوات طويلة.. كيف أفادك المسرح في مسيرتك؟

_ أكثر ما تستفيدي من خلال عملك في المسرح هو اختبار جمهورك، حيث تتعرفي على ما يحب وما لا يحب أن يراه فيك ومنك، كما أنني أعرف بدوري من خلال رد الفعل الفوري للجمهور مناطق القوة والضعف في أدائي، وأيضا الاستفادة في جانب “حرفية الممثل” ذلك لأن المسرح يساعدك على تدريب جهاز الإرسال، فلكل ممثل جهاز إستقبال وجهاز إرسال، جهاز الاستقبال عقله واستيعابه وجهاز الإرسال أدواته جسمه وصوته، والمسرح لا يسمح أبدا بمخارج ألفاظ غير واضحة سواء في الصراخ أو البكاء أو الضحك، فكل الانفعالات بطبيعتها تغير الصوت لكن يجب أن يظل الكلام واضحا.

_ يتم تعريف عارفة عبد الرسول على أنها ممثلة وقاصة.. ماذا أفادك الحكي كممثلة؟ وهل الحكي أصعب أم التمثيل؟

لا أدري من أطلق علي كلمة قاصة تلك من الواضح أن أحدهم أطلقها على لكنني لست بقاصة أنا حكاءة فقط، أما عن الحكي والتمثيل فقد سبق الحكي التمثيل عندي لإنه بدأ معي منذ الطفولة.

أما عن الصعوبة فالحكي أصعب من التمثيل، ففي الحكي أنت بمفردك على المسرح وليس بجانبك ممثلين آخرين ولا عناصر مساعدة أخرى، إذا لم تتمتعي بموهبة أو كاريزما _اسميها كيفما شئتِ _ لتحافظ على انتباه كل الحاضرين فلن تغني عنك جودة الحكاية نفسها شيئا.

_ خلال فترة وجيزة حصلت عارفة عبد الرسول على صيت كبير لدى الجمهور.. هل غيرت الشهرة من حياتك وتعاملك؟

لم يوجد فرق على الإطلاق، ولم يتغير نمط حياتي أبدا، أنا إلى الآن أنزل للشارع وأمشي في الأسواق، ربما الفرق الوحيد والهام في رائي هو أن مستوى الحياة صار أفضل، بمعنى أن لو اشتهيت شيئا استطعت الحصول عليه، قبل ذلك وعندما كنت موظفة في الثقافة الجماهيرية على سبيل المثال، كنت احتاج للادخار أو لدخول “جمعية” من أجل شراء ما أريد.

_ لماذا “ميريل ستريب” تحديدا هي مثلك الأعلى في ممثلات هوليوود؟

_ أولا، هي ليست مثلا أعلى بالنسبة لي، أنا معجبة بها فقط ذلك لإنها أكثر ممثلة حاصلة على الأوسكار، أما عن ذوقي الخاص فأنا أحب الكثيرات من نجمات هوليوود مثل: ميشيل فايفر، سوزان سيراندن، دايان كيتن، كاثي بيتس، وأتوق إلى تمثيل أدوار مثل التي يقمن بها إذا كان هناك من يتحمس لكتابة أدوار للعجائز.

أما عن ميريل ستريب فكثيرا ما يراودني حلما عن فيلم يجمعني بها، فيكون مثلا أن ابني تزوج من أمريكية هي أمها وقد ذهبت لزيارته ووقعت خلافات بيني وبينها نظرت لاختلاف اللغة والثقافة والطباع.. إلخ.

_ هل لديك القدرة الأن لاستكتاب أحد المؤلفين؟

_ حتى وإن كنت أمتلك القدرة فأنا لا أحب هذا أبدا، أفضل أن تأتي الأمور بطبيعتها، المؤلف له دوره والمخرج له دوره، وإذا رأى أحدهم أن عارفة عبد الرسول تصلح لهذا الدور أقوم حينها يكون لدى القدرة على أداء الدور وتلك هي الطريقة التي أفضلها، أما عكس ذلك أو استكتاب أحد الكُتاب وما شبه فلا أفضله أبدا.

_ عارفة عبد الرسول بدأت عضوة في فرقة الفنان حسن الجريتلي أحد رواد فن الحكي.. برأيك ما أضافه لك العمل في ورشة الجريتلي؟

_ كان لها عظيم الأثر، على فهمي للتمثيل، وتطوير أدائي، واحتكاكي بالآخر، واطلاعي على عروض من بلاد وثقافات مختلفة، قبل الورشة لم أكن أعلم عن التدريب شيئا ولا تدريب النفس وللصوت، وكنت اتنفس بشكل خاطئ، وهو ما تدربت عليه خلال سنوات عملي في الورشة.

أما الفنان حسن الجريتلي نفسه فهو مدرب شاطر جدا، يستطيع ببساطة أن يجعلك تمتلكي أدواتك وتلمسي مناطق الضعف في آدائك، كما إنه بعيد كل البعد عن التنميط، باختصار الورشة كنز لمن يرد أن يصبح ممثلا.

_ وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت وسيلة هامة للتواصل مع الجمهور وبوابة لمعرفة آخر أخبار الفنانين.. ماذا عن علاقة عارفة عبد الرسول بالسوشيال ميديا؟

_ أنا لا اتعامل مع السوشيا ميديا إلا عن طريق “فيس بوك” فقط، وفي طريقي لتوثيق صفحتي الشخصية، أما عن باقي تطبيقات السوشيال ميديا مثل انستجرام وغيره، فليست لي علاقة به.

_ من أشهر حكاياتك “حكاية بنت البقال”.. ماذا تعلمتي من وقوفك في محل البقالة؟

_ كنت ارتاد محل بقالة مع والدي منذ أن كان عمري ثلاث سنوات. تعلمت من أبي قراءة وجوه البشر، فقد كان يعرف بخبرته من سيشتري ومن سيكتفي بالفرجة فقط، وكانت يمتلك مهارة في التعامل مع “الزبائن” فمن الممكن أن من دخل ليشتري غرضا واحدا تجعليه أن يقوم بشراء المزيد، وهكذا تعلمت قراءة البشر في سهولة ويسر وتعودت عليهم، وحين كبرت لم أكن أخشاهم أبدا، والحقيقة أن سوق الحضرة – حيث كان يتواجد بقالة والدي- مثله مثل أي سوق أكبر مكان للقصص والعبر والبشر، ومن هذا المخزون الهائل أنهل إلى الأن.

_ كيف ظهرت حكايات بنت البقال؟

_ الفضل الأول والأخير في حكايات بنت البقال يرجع إلى زوجي الفنان مصطفى درويش، لأنه هو من أشار على أن أرويها ونبهني إلى قيمتها الفنية والإنسانية، فهي تؤرخ لفترة من تاريخ الإسكندرية، وتتقاطع فيها الكثير من الأحداث، كذلك هي نوع من التأريخ الشعبي للمنطقة مما تحتويه من تفاصيل وأحداث وحكايات، والأهم من هذا وذاك فيها صدق.

أما عن وجودها الأول فكان مجرد تنفيس عن الغضب لأنني مثل بنات جيلي، تربينا بالمقرعة والعصا، وتعلمنا بالضرب المبرح لذا وتنفيسا عن هذا الغضب الذي يتكون ويتراكم داخلي وبحثا عن المشاركة والتعاطف، كنت أجمع إخوتي كل مساء حال عودتي من المحل واحكي ما دار في اليوم كله، وكانت أحداث وحكايا شيقة بحق.

_ بمناسبة الحديث عن مساعدة زوجك.. في مقدمة مسرحية “خطبة لاذعة ضد رجل جالس” للأديب الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز جملة نارية يقول فيها “ليس هناك شئ أقرب للجحيم من زواج طويل سعيد” ما رأيك في هذا القول؟

_ بصراحة الكثيرين لديهم خلط بين الزواج والليالي الحمراء الساخنة، ومن هنا جاء الفهم الخاطئ للزواج كمؤسسة. الزواج مسؤلية ومشاركة ومؤسسة تنمو بوجود الأولاد والمصالح المشتركة، ولكي يعمر البيت ويطول عمر الزواج يحتاج إلى صبر ويحتاج إلى نوع من المرونة إن شد أحدهم يلين الآخر والعكس.

_الشهرة في سن متأخرة.. ميزة أم عيب؟

_ البركة في البكور كما يقولون، لكن أيضا كل شيء بأوان. أحيانا أتأمل حياتي السابقة وقد كان لدي دائما اليقين أني لو هاجرت إلى القاهرة لتميزت، فلطالما تمتعت بالثقة في النفس.

لكن البيت والأولاد وحياتي التي ارتبطت بها بالإسكندرية لفترة طويلة حالت دون ذلك. الآن هناك الكثير من الأدوار التي أرغب في آدائها ويحول بيني وبينها إما ظروفي الصحية أو إنها صارت لا تليق لسني، في النهاية الحمد لله على كل حال، وأن تأتي الشهرة متأخرة أفضل من آلا تأتي من الأساس.

_ تحدثتِ أنكِ تقومين بدراسة شخوصك الفنية.. كيف تقومين بالإعداد لكل شخصية؟

_ تعودت أن أبني تاريخا للشخصية، وأن اهتم بشكل خاص بالتفاصيل، سواء الشكلية أو الداخلية، وقد أفادني الوقوف في السوق وفي محل والدي جدا، فقد نمى لدي مخزون كبير جدا من الشخصيات، وهذا يساعد على التنوع، فمثلا دور الخادم أو الأم أو المعلمة هي أدوار يتكرر عملي بها لكن التفاصيل والتاريخ والمكياج الداخلي والخارجي لكل شخصية هي ما يجعل الأداء متنوعا وغنيا.

ولا أخفيك سرا أنا أحيانا أقف أمام الكاميرا ولست أدري كيف سيكون الآداء على وجه الدقة، فمثلا منذ يومان حدث ووقفت أمام الكاميرا لآداء دور أم للفنان محمد ثروت، وهي “مسطولة” وقبل أن تدور الكاميرا بلحظات خطر في ذهني خاطر بعيد لذكرى إحدى طالبات الجامعة، حين كنت أدرس الفنون الجميلة، وكانت “مسطولة” وتريد أن تخفي هذا الإحساس فتبالغ في رسم الانتباه والجدية حين داهمتنا مشرفة الرحلة، ومن هنا استعرت تلك الفكرة، خاصة وأن “المسطول” و”السكران” من الأداءات النمطية والتي تحرض الممثل أحيانا على الاستسهال.

_ في رأيك.. ما الذي يسبب تأخر الكثير من الموهوبين؟

_ الكسل، أغلب من رأيت من موهوبين في حياتي كانوا يتمتعون، وللأسف بالكسل والثقة الزائدة عن الحد في النفس والكبرياء في غير محله، الذي يحرض على عدم قبول ما يعرض عليه من أدوار بحجة أنها صغيرة أو تافهه في حين أن (الشغل بيجيب شغل) والجلوس على المقهي لا يأتي إلا بمثله.

أما أنصاف الموهوبين ممن يجتهدون ويعملون على تطوير أدواتهم ويرتضون بما يعرض عليهم من أدوار فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

رسوم متحركة قديمة

_ صرحت من قبل أن السينما النظيفة أضرت بالسينما المصرية، أما زلت عند رأيك؟

_ الفن خيال ويفقد كثير من قيمته إن تخلى عن عنصر الخيال لصالح الوعظ والإرشاد، وإذا دخلت الممنوعات والمحاذير يفقد الفن جزء من أصالته ومصداقيته وبكل صراحة استعير قول الفنانة سلوى خطاب “من يوم ما بطلوا البوس في السينما والسينما باظت”. واشهد أنني عشت وقت أن كانت السينما تعرض “أبي فوق الشجرة” وكنا ندخلها شباب وبنات معا، نرتدي الميني جيب ونجلس في بهجة ونتمتع بالنزق لدرجة أن كنا نحصي عدد القبلات داخل الفيلم، علما بأن لم ولن يفكر أحدهم بالتحرش بإحدانا، لم يكن ذلك اللفظ مطروح أصلا.

كان الفن أيامها والحياة والناس مختلفين. مثلا في يوم الجمعة _صباحية حفلة أم كلثوم_ يصيح بائع السمك _في سوق الحضرة_ ذلك الأمي الذي لم يذهب في حياته إلى مدارس، ينادي على بضاعته قائلا: أغدا ألقاك.. يا خوف فؤادي من غد.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى