الحكايات التي تروى عن ملك الكوميديا في الوطن العربي نجيب الريحاني كثيرة ومتعددة، وهناك الكثير الذي لم يقال حتي هذه اللحظة، وقد تناولت في المقال السابق حكاية “كشكش بك”، وفي هذه المرة سوف أعرج إلى أول رواية شارك فيها الريحاني وكانت بعنوان “الملك يلهو” وترجمها أحمد كمال رياض بك، بالإضافة إلي أول من شجعه علي التمثيل وهو الشيخ “بحر” الذي كان معجبًا ومتيمًا بإلقائه، وكانت المدرسة تكلف الطلاب بين وقت وآخر بتمثيل بعض الروايات على مسرحها، وكثيرًا ما كان الريحاني يقوم بتمثيل الأدوار الهامة والمعقدة في الرواية، إلى أن تعرف على عزيز عيد، زميله في البنك الزراعي الذي جذبه إلي التمثيل.
مذكرات نجيب الريحاني
ويعترف الريحاني في مذكراته، أن “عينه زايغة” وغاوي نسوان، حيث يروي أول غرام تعلق به قلبه عندما كان يجلس علي قهوة إسكندر فرح في شارع عبد العزيز باشا وكان من بين زبائنها ممثل قديم يدعى علي أفندي يوسف من متعهدي الحفلات الكبار، وكان لعلي أفندي كما يصفها الريحاني “قطقوطة” من بين الممثلات الجميلات التي تعلق بها يوسف، وما كان من الريحاني إلا أن “شقطها” منه ويسميها الريحاني في مذكراته بالحروف الأولي من اسمها” ص ق”، ويتعمد الجلوس بجانب يوسف أفندي والفتاة، وبين الحين والأخر يرسل لها نظرة وابتسامة وعبارة، حتى تعلقت الممثلة بالريحاني وانجذبت له دون أن يعلم عمنا يوسف أفندي بأن الجميلة تخونه مع صديقه، وبعد فترة من الولع والمحبة والمقابلات العاطفية السرية بين العشيق الولهان الريحاني والممثلة، لعب الفأر في عب عمنا يوسف وبدأ الشك يساروه، واتخذ قرارًا بمراقبتهما.
ويسرد الريحاني في مذكراته حكايته مع الممثلة الجميلة، مؤكدًا أن عمره في ذلك الوقت السادسة عشر أو السابعة عشر، وراح يقارن بين ملامحه وبين ملامح يوسف أفندي غريمه معترفا بأن خلقته لم تكن تقارب بـ “استفغر الله العظيم” خلقة الصديق اللطيف علي يوسف، زد على ذلك أنني كنت موظفًا مضمون الإيراد، في حين كان منافسي “يا مولاي كما خلقتني” على حد تعبير الريحاني في مذكراته.
وبعد فترة طويلة من العبارات الجميلة التي كان يرسلها الريحاني لمعشوقته اتفق مع “الغزال النافر” (هذه العبارة جاءت في مذكرات الريحاني بهذا الشكل) على قضاء يوم الأحد عطلة نهاية الأسبوع في الإسكندرية، بعيدًا عن علي يوسف ورقابته القاسية، وبالفعل اتفق معها على مغادرة القاهرة يوم السبت في الواحدة ظهرًا، ثم العودة يوم الإثنين.
أقرا أيضا: صفاء أبو السعود مفاجأة حفل مركز الحفنى بمسرح معهد الموسيقي العربية
وقبل موعد الخروج من البنك كما يقول الريحاني زاره في مكتبه علي يوسف، وألح عليه أن يقرضه مبلغ من المال لأنه دعا بعض زملائه في نزهة، وبالعفل أقرضه الريحاني وهو ويحمد الله علي “زحلقته”، داعيًا بطول العمر لأصدقائه الذين شغلوه عن مراقبته هو ومحبوبته، وبالفعل ودع الريحاني صديقه يوسف، تاركًا المكتب ذاهبًا إلي محطة السكة الحديد لمقابلة “الكتكوتة”، وبينما عمنا الريحاني يسير مزهوًا بنفسه على رصيف القطار وقلبه يرفرف من الفرح، وبالفعل ركب هو وعشيقته القطار إلى الإسكندرية، وإذا هم يسيران متأبطًا ذراع المحبوبة، يبرز أمامه عزرائيل كما يصفه الريحاني في ثياب الصديق الملعون، علي يوسف، وراح يستقبلهما مرحبًا شاكرًا عمنا نجيب الريحاني على دفعه نفقات السفر لحضرته وحضرتها بسلامتها، الست المصونة والجوهرة المكنونة، التي أخذها منه وتركه يعض في أنامله.
ويعترف الريحاني في آخر الحكاية، بأن “الدينا أظلمت في عيني، وحمد الله إنه لم كان خاليًا من السلاح، ولم يكن يحمل حتى ولا سكينة بصل، وذهب العاشقان بينما الريحاني ظل واقفًا بحسرته على المحطة، ليعود في القطار الذي يليه إلي القاهرة.
ورغم ما حدث لعمنا الريحاني، لكنه لم يتعلم وعاد يغازل الممثلة مرة أخرى، بعدما فعلت فعلتها فيه هي وعلي يوسف، واتفق معها مرة ثانية على أن يقابلها في شقتها واتفقوا علي إشارة معينة وهي أنها إذا وضعت نورًا في النافذة، كان معنى ذلك أن علي يوسف غائب عن الشقة، وعليه أن يطلع لها، وفي إحدى الليالي تراءى للريحاني نورًا يشع من النافذة، فعرف أن الطريق خالي، فخلع حذائه وصعد درجات السلم بلا حركة، وطرق الباب خفيفًا، وإذا بالذي يفتح الباب غريمه وعدوه اللدود علي يوسف، الذي تناول الحذاء من الريحاني، وجرى وراءه حافي القدمين إلي الشارع.
تعليق واحد