![](https://youmgdeed.com/wp-content/uploads/2023/05/IMG-20230508-WA0006-600x470.jpg)
عاشق المجهول
بقلم: امنيه الريحاني
تجلس أمام مرآتها تعتدل من زينتها ، فكانت بحق جميلة ، ترتدى فستان طويل من اللون الأسود المطرز ، وتضع القليل من مساحيق التجميل التى لم تستطع إخفاء براءتها ، بعد أن أنتهت تقف أمام المرآة تنظر لنفسها فى رضا وتتجه إلى الشرفة الكبيرة الموجودة فى شقتها والموضوع عليها تورتة صغيرة فقط ، تقترب من التورتة وتمسك فى يدها عدة شمعات ، تضعهم فى التورتة ببطء شديد واحدة تلو أخرى وهى شاردة وتحدث نفسها قائلة: سنة بتمر ورا سنة ، وعمرى ما قدرت أنسى اليوم ده ، اليوم اللي قابلتك فيها وبقيت أهم شخص فى حياتى
تنظر إلى التورتة فى شرود وتعود بالزمن للوراء ااااااااء
أمام إحدى الفلل العريقة فى الإسكندرية:
تقف فتاة صغيرة لم يكمل عمرها الثلاثة عشر أعوام أمام الفيلا، وبجانبها رجل كبير فى السن يمسك يدها فى حرص قائلاً: بصى يا بنتى ، أنا كده عملت اللي عليا ، دا العنوان اللي والدك ادهولى ، وقالى انك هتلاقى أهلك هنا.
تنظر له الفتاة بعيون راجفة قائلة: بس أنا خايفة يا عم نوح.
نوح: خايفة من إيه يا بنتى، دول أهلك ، و هيبقوا احن عليكى من اى حد.
وينظر لحارس الفيلا قائلاً: لو سمحت يا إبنى ، يحيي بيه موجود؟
الحارس: لا يا حاج مش موجود حالياً.
نوح: ولا غالية هانم؟
الحارس: لا غالية هانم موجودة جوا ، هى وعادل بيه.
نوح: طب اديها يا ابنى خبر إن حد عايز يقابلها.
يتوجه الحارس لإبلاغ غالية ، بينما يربت نوح على ظهر فاطمة قائلاً: يالا يا بنتى ، الهانم جوا أهى ، وأكيد هتفرح لما تشوفك
تتشبث به بتلقائية ، ليمسك يدها فى حنان قائلاً: متخافيش ، وافتكرى دايماً إنتى مين وبنت مين.
فى داخل القصر:
يقف عادل أمام المرآة يصفف شعره ويضع عطره وهو يتحدث فى التليفون قائلاً: يا ابنى خلاص أنا لبست ونازل أهو
(عادل الصفدى: شاب وسيم ، وهو الأبن الأكبر يحيى الصفدى فى السنة الأخيرة من كلية السياسة والاقتصاد ).
يستعد عادل لجمع كتبه ، ولكنه يتوقف حين يسمع صوت شجار عالى يأتى من الخارج ، يعتليه صوت والدته غالية ، فيركض مسرعاً نحو الصوت ، ليجد والدته تتشاجر فى الاسفل مع فتاة صغيرة لا تتجاوز الثلاثة عشر عاماً.
تلقى غالية بعض الأوراق فى وجه الفتاة الصغيرة التي تبكي بشدة ، وهى تقول فى غضب: إنتى فاكرة شوية الورق دول هيخلونى أصدق إنك بنت عاصم ، هو أى واحدة نصابة تيجى تقولى انا بنت أخوكى هصدقها؟!
تنظر لها الفتاة وهى تبكى فى براءة قائلة : نصابة، صدقينى يا طنط أنا مش نصابة ، بابى هو اللي قالى أجى على حضرتك ، وقالى إنكم أهلى وهبقى فى أمان وسطيكم ، وأنا معرفش حد تانى أروحله
غالية: روحى يا شاطرة من مطرح ما جيتى ، بكفيانا نصابين وولاد شوارع.
تمسك الفتاة حقيبتها الصغيرة فى حزن شديد ، وتتجه إلى الباب تجر قدميها لا تعلم إلى أى مكان تذهب ، ينظر لها عادل فى شفقة ، وتتقابل أعينهم فى نظرة طويلة ، نظرته لها نظرة ارتياح وشفقة، ونظرتها له نظرة خوف ورجاء ، بعد خروج الفتاة ينظر عادل إلى والدته متساءلاً: مين دى يا ماما؟
غالية: ملكش دعوة انت يا عادل ، دى بنت نصابة
يركض عادل إلى الأعلى محدثاً والده فى الهاتف ، ويحكى له كل ما حدث.
أما عن الفتاة التى خرجت من باب الفيلا فى قهر ، تبحث عن نوح أملاً منها أن تجده ينتظرها ، ولكن يتلاشى الأمل سريعا حين لا تجده ، تنظر الفتاة حولها لا تعلم إلى أي مكان ستذهب ، فهى لأول مرة تخط قدماها هذه البلد ولا تعلم أى شيء عنها.
أما فى الداخل بعد أن روى عادل ما حدث لوالده يتفاجئ به يصيح قائلاً: والبنت راحت فين يا عادل؟
عادل: معرفش ، ماما طردتها برة الفيلا ، و معرفش راحت فين؟
يحيى: تقب وتغطس وتلاقيها ، البنت دى لازم تلاقيها بأى شكل
عادل: أنا مش فاهم حاجة ، هى مين دى ، وليه حضرتك بتقولى لازم ألاقيها؟
يحيي: البنت دى تبقى بنت خالك
عادل: بنت خالى؟!
يحيي: أيوا بنت خالك عاصم، يعنى لحمك ودمك ، يعنى لازم تلاقيها وتحافظ عليها ، واول ما تلاقيها وديها لعمتك مريم لحد ما أرجع من السفر و أتصرف معاها
عادل: ايوا يا بابا بس……..
يقاطعه يحيي قائلاً: مفيش وقت للكلام، لما أرجع هفهمك كل حاجة، المهم دلوقتى تحافظ على عرضك ولحمك ، عادل، البنت دى بقت أمانة فى رقبتنا ، مفهوم؟
عادل: حاضر يا بابا
فى خارج الفيلا:
تجلس الفتاة بعيداً عن الفيلا على أحد الأرصفة خائفة، تضم نفسها بذراعيها محاولة بث الطمأنينة إلى نفسها ، و تنتفض ناظرة حولها مع أى قطة أو كلب يمر بجانبها ، بعد قليل شعرت بسيارة تقف أمامها ، وينزل منها شخص ما متجهاً نحوها ، فأمسكت حقيبتها فى ذعر وركضت محاولة الهرب ، ولكنه ركض تجاهها وأمسكها
فى داخل الفيلا:
تسير غالية فى توتر داخل حجرتها محدثة نفسها: كنت فاكرة إن صفحتك انطوت من زمان ، من ساعة ما اخترت تبعد عننا وتعصانا وتروح تتجوز الهانم، ومكنتش عارفة إن الصفحة دى هتفتح تانى بعد أكثر من 13 سنة ، بس لا يا عاصم صفحتك هقفلها من تانى زى ما قفلتها زمان
ونعود للفتاة التى أمسكها الشخص فى ذعر منها قائلة: أنت عايز إيه ، أنا مش معايا اى حاجة اديهالك ، أنا …..
يضع الشخص يده على فمها فى حنان ، ويضمها إليه محاولاً تهدئتها قائلاً: هشششششش، بس يا حبيبتى متخافيش، انا مش عايز آذيكى ، أنا ابن عمتك
تنظر له لتجده نفس الشخص الذي قابلته داخل الفيلا أثناء خروجها ، مازال جسدها ينتفض داخل حضنه ، فيضمها إليه فى حنان قائلاً: اهدى ، خلاص انا معاكى ، مفيش حاجة هتحصلك وانا معاكى
تنظر له وشفتاها تنتفض قائلة: بس عمتي طردتنى ، أنا مش نصابة
عادل: أنا عارف إنك مش نصابة، وعارف إنك بنت خالى ، ممكن تهدى بقى وتيجى معايا
الفتاة: على فين؟
عادل: هنروح نشرب أى حاجة فى أى مكان لحد ما تهدى
يمسك عادل يدها ويدخلها سيارته ، ويتحرك بها
فى أحد الفنادق فى إنجلترا:
يقف يحيي فى شرفة حجرته محدثاً نفسه: ياه يا غالية، لسه قلبك قاسى ، كل السنين اللي فاتت مقدرتش تحنن قلبك على أخوكى، وصلت بيكى تطردى بنته ، طب ذنبها إيه البنت الصغيرة دى ، يمكن يكون الذنب الوحيد ليها إنك أنت أهلها
ويتذكر هذه المكالمة الهاتفية التى أجراها مع عاصم قبل سفره بيومين يوصيه فيها على إبنته إذا وصلت مصر فى أى وقت ، وأنه يخشى أن يحدث له شيء ويتركها فى الدنيا وحيدة ، خاصة وهو يعلم مدى قسوة أخته غالية ، ولكن يحيي طمأنه أنها ستكون فى حمايته إذا حدث أى شيء
فى أحد المطاعم:
يجلس عادل بجانب الفتاة التى تشرب كوب من عصير البرتقال
عادل: ها بقيتى أحسن؟
الفتاة: الحمد لله ، أنت طيب أوى ، مش زى عمتو
عادل: معلش ، هى بس تلاقيها تفاجأت بيكى، بصى انا معرفش حكايتك إيه ، بس اللى متأكد منه دلوقتى إنك بنت خالى ، وطالما طلعتى بنت خالى يبقى مهمتي احافظ عليكى واحميكى لحد ما بابا يرجع من السفر
توميء له رأسها بالموافقة قائلة: هو حضرتك اسمك ايه؟
ليجيبها قائلاً: حضرتى اسمى عادل
، وانتى اسمك ايه.؟
رفعت رأسها إليه قائلة: اسمى فاطمة، فاطمة عاصم الحديدى.
انتظرونا في الجزء الثاني من الروايه